
تقرير: لماذا فشلت محاولات حكومة اشتية بالانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الاسرائيلي؟
15 سبتمبر, 2021 04:54 صباحاً
غزة – فتح ميديا:
بين الحين والآخر، تصعد حكومة اشتية بقرارات في محاولة للانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي، وبعد أيام قليلة تتراجع عن قرارات وتخرج بأخرى أقل حدة، فلماذا تفشل محاولات الحكومة في الانفكاك الاقتصاد.
بدأ الحديث عن الانفكاك الاقتصادي، بعد وصول المفاوضات الثنائية بمرجعية اتفاق أوسلو إلى طريق مسدود، نتيجة لعدم التزام إسرائيل بالاتفاقات الموقعة، وإمعانها في التوسع الاستيطاني، ورفضها الاعتراف بمرجعية قرارات الشرعية الدولية.
وحسب ما أعلنه اشتيّة في كلمته بجلسة حكومته بـ 20 أيّار/مايو2019، والتي أعلن خلالها أهداف خطّة الحكومة، وهي: تشجيع الإنتاج الصناعيّ والزراعيّ والسياحيّ والحدّ من البطالة ومحاربة الفقر وإنشاء المدن الصناعيّة، وخلق مشاريع رياديّة.
الحكومة الفلسطينية أعلنت عن خطة 100 يوم الاقتصادية، بقيمة 245 مليون دولار، التي أعلن عنها الدكتور اشتيه، قد اصطدمت بواقع عدم القدرة على الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي، في وقت تستورد السلطة الفلسطينية 55 بالمئة من منتجاتها السلعية من إسرائيل، أو عبرها، بمتوسط سنوي 3.3 مليارات دولار، على رأسها الطاقة (كهرباء، وقود، غاز).
الانفكاك الاقتصادي تدريجياً:
حيث أكّد اشتيّة خلال اجتماع مجلس الوزراء في 20 ايار/مايو أنّ الخطّة تستند على الانفكاك عن إسرائيل تدريجيّاً والاعتماد على الذات من خلال مسارات تمّ بدء العمل ببعضها، مثل: وقف التحويلات الطبيّة إلى إسرائيل وتحويلها إلى المستشفيات الفلسطينيّة أو الأردنيّة أو العربيّة، وتعزيز المنتج المحليّ بالتركيز على المدن الصناعيّة وتوفير البنى التحتيّة لها، تعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة، وإعادة النظر في هيكليّة قطاع الكهرباء.
خطة العناقيد التنموية:
تبنت الحكومة منذ بدء عملها منظورا تنمويا جديدا قائما على نظام العناقيد، وهو منظومة تنموية صيغت كي تُناسب الخصوصية الفلسطينية بالاستفادة من الميزة التنافسية لكل محافظة. وهدفت لخلق تنمية أفقية؛ أي إيجاد بنية تحتية متطورة في کل المحافظات، ثم الانتقال للتنمية العمودية؛ باستثمار الميزات التي تتحلى بها كل محافظة في سبيل تعزيز المنتج الوطني، وفي إطار الانفكاك التدريجي من التبعية الاقتصادية التي فرضها علينا واقع الاحتلال.
وتعد عنقود قلقيلية الزراعي باكورة هذه الخطة الاقتصادية الشاملة، والتي ستجعل من المحافظة حديقة خضار وفواكه فلسطين: إذ سيستثمر فيها أكثر من 23 مليون دولار بالشراكة مع شركاء الحكومة في القطاع الخاص والمجتمع المدني. وسيتسع هذا العنقود بالأشهر القادمة ليشمل طوباس وجنين وطولكرم. وستتبعه عناقيد صناعية في نابلس والخليل. وسياحية في بيت لحم وإدارية خدماتية في رام الله، وغيرها من العناقيد التي ستشمل كل محافظات الوطن.
خطة الانفكاك الطبي:
لم يفلت القطاع الصحي من التبعية للاحتلال، من خلال شراء خدمة التحويلات الطبية التي تتم للمشافي الإسرائيلية، واستيراد الأدوية الإسرائيلية إلى السوق الفلسطيني على الرغم من توفر بديل لها وطنياً.
وتتنوع الأسباب المؤدية إلى هذه التبعية كعدم الثقة بالمنتج والخدمة الفلسطينيين، وضعف ثقافة المقاطعة، وغياب القرار الفلسطيني منذ العام 1998 مع انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو للانفكاك عن الاحتلال، وممارسات الاحتلال العنصرية ضد القطاع الصحي، إضافة إلى عدم وجود إطار قانوني ينظم العلاقة مع الاحتلال، ويقدم سياسات حمائية للخدمات والسلع المحلية.
مع تولي رئيس الوزراء محمد اشتية رئاسة الحكومة الفلسطينية العام 2018، وبدء الأزمة الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل، اتبعت حكومته سياسة الانفكاك عن الاحتلال كسياسة وطنية تبعاً لقرارات المجلسين الوطني والمركزي في هذا الصدد، وبدأت بخطوات لتحقيق ذلك، ومنها الخدمات الطبية مع دولة الاحتلال.
يواجه القطاع الصحي سلسلة من نقاط الضعف والتشوهات جرّاء السياسات والعوائق والقيود التي مارستها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت وزارة الصحة مضطرة إلى تحويل عشرات آلاف الحالات المرضية سنوياً إلى مستشفيات خارج فلسطين، وتحمّل تكاليف باهظة، يضاف إلى ذلك ما تتكبده الأسر من تكاليف ومعاناة خلال مرافقة مرضاها، أو تغطية تكاليف علاجهم في بعض الحالات.
وضعت الاستراتيجية الصحية الوطنية في أولوياتها توطين الخدمات الصحية، إلا أن مشكلة التحويلات الطبية بقيت مستمرة، وكذلك نقص الأدوية في السوق الفلسطينية على الرغم من اتّخاذ الحكومة الفلسطينية العام 2019 قراراً بوقف التحويلات الطبية إلى إسرائيل، أيضاً عدم وجود البدائل لذلك، إضافة إلى ارتفاع التكلفة في حال التوجه إلى دول أخرى مثل الأردن، ومصر، وتركيا، كما أظهرته أرقام وزارة الصحة لبعض التحويلات لتلك الدول العام 2018، وأيضاً قلة الإمكانيات البشرية والتخصصات.
قرار وقف التحويلات الخارجية المفاجئ جعل من السياسات المقترحة صعبة التنفيذ في الوقت الحالي، فقد أشار أمين عام المجلس الطبي الفلسطيني الدكتور أمين ثلجي، إلى وجود نقص في المرافق الطبية والأطباء في بعض التخصصات مقارنة بما تطلبه منظمة الصحة العالمية، وأننا على عتبة الحد الأدنى من الأطباء (1.1 طبيب لكل 1000 نسمة) ويلزم رفع النسبة إلى (2.5 طبيب لكل 1000 نسمة كحد أدنى).
كذلك وجود عجز واضح في تخصصات مثل (الأورام، وأمراض الكلى والمسالك البولية، وأمراض القلب، وأمراض الدم، والجراحة العامة، وأمراض الأطفال، وأمراض العيون، وقسطرة القلب، وجراحة العظام والأعصاب) وهي الأمراض الأكثر سبباً للوفاة في فلسطين. يذكر أن الضفة الغربية يوجد فيها 7 أطباء أورام مقابل 3 ملايين نسمة، في حين أن غزة تمتلك 3 أطباء فقط؛ أي إن كل طبيب أورام يقابله 250 حالة أورام في الضفة وغزة بالمعدل، إضافة إلى وجود مناطق مثل مدينة رفح -مثلاً- لا تحتوي على مستشفيات مجهزة تجهيزاً متقدماً لتقديم رعاية ثانوية وثالثية.
خطة استيراد النفط من العراق:
يستهلك الفلسطينيون، في قطاع غزة والضفة الغربية، شهريًا، نحو 80 مليون لتر من الوقود، وبلغت إيرادات الخزينة العامة من ضريبة المحروقات، في العام 2018، نحو 2.48 مليار شيكل، أي نحو ثلث عوائد المقاصة البالغة نحو 8 مليار. [10] وتشكل ضريبة المحروقات (البلو)، بالإضافة إلى ضرائب أخرى، حوالي 55% من قيمة سعر الوقود المباع في إسرائيل وفلسطين.
ويرى خبراء اقتصاديين أن استيراد النفط من العراق يحقق فوائد عدة للسلطة، لأن سعره أقل من مشتقات النفط المستورد من إسرائيل، وبالتالي تستطيع السلطة تحصيل عوائد ضريبية أعلى وخفض سعر البيع للمستهلك في نفس الوقت. وهذا يشكل حافزًا لمزيد من الانفتاح على الأسواق العربية بهدف التحرر التدريجي من قيود اتفاق باريس الاقتصادي وتحقيق الانفكاك الاقتصادي.
لكن توقيع المذكرة سبقه موافقة السلطة، بعد لقاء جمع شكري بشارة، وزير المالية الفلسطيني، بموشيه كحلون، وزير المالية الإسرائيلي السابق، بالقدس، بتاريخ 5/6/2019، على اتفاق جزئي يسمح لها باستيراد الوقود من إسرائيل من دون أن تدفع ضريبة المحروقات (البلو) للمورد الإسرائيلي، بحيث تتولى بنفسها جبايتها. وأعلن حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية، بأن الاتفاق سيشكل مدخلًا لحل باقي القضايا العالقة.
ما سبق مؤشر إضافي على عدم جدية السلطة في تنفيذ قرارات المجلس الوطني، التي تتعلق بالانفكاك الاقتصادي، بما في ذلك استكمال خطوات استيراد النفط من العراق. وما يؤكد ذلك أنها لم توقع اتفاقًا رسميًا، حتى الآن، مع الحكومة العراقية، بالإضافة إلى أن طرح فكرة استيراد النفط العراقي جاء في إطار بحث السلطة عن حلول لأزمتها المالية الناجمة عن أزمة أموال المقاصة. لذلك، ربما يكون طرح الفكرة هدفه الاستخدام السياسي، أي الضغط على "الكابينت" الإسرائيلي ودفعه للتراجع عن قرار بدء تنفيذ قانون خصم مخصصات عائلات الشهداء والأسرى من عائدات الضرائب الفلسطينية، الذي اتُّخذ في شباط/فبراير 2019.
ويتيح اتفاق أوسلو وملحقاته للاحتلال الإسرائيلي السيطرة الأمنية المطلقة على الحدود والمنافذ التجارية، البرية والبحرية والجوية. ولا تزال إسرائيل تتحكم بحركة المعابر الفلسطينية، بحكم الأمر الواقع، بالرغم من انتهاء المرحلة الانتقالية، وبالتالي لا تستطيع السلطة استيراد النفط عبر الأردن من دون موافقة إسرائيلية، سواء عبر المعابر البرية، أو من خلال ميناء العقبة الأردني.
وعلى الأرجح، لن تسهّل إسرائيل استيراد السلطة للنفط العراقي عبر الأردن، والاستغناء عن النفط الإسرائيلي، لأن ذلك قد يشجع السلطة على الانفتاح على الأسواق العربية، باتجاه التخلص التدريجي من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي. وربما كان من أحد دوافع قرار إسرائيل السماح للسلطة باستيراد الوقود الإسرائيلي من دون تسديد الضريبة للشركات الإسرائيلية؛ هو إحباط توجه السلطة نحو استيراد النفط العراقي.
فشل انشاء بنك حكومي:
في مطلع يونيو/ حزيران 2020 أصدر مجلس الوزراء في رام الله، قراراً بإنشاء بنك حكومي قال في حينه إن الغرض منه صرف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى بدرجة أساسية، فضلاً عن إدارة المال العام، ومضت الحكومة فيما بعد في اتخاذ أولى الخطوات العملية لإنشائه، فعينت بعد قرابة الشهرين مديرا عاما للبنك وهو بيان قاسم. وصرح قاسم في أكثر من مناسبة بأن البنك لن يكون منافساً للبنوك التجارية الأخرى، وأنه سيقدم الخدمات للجهات الحكومية، إضافة لإدارة حسابات المنتسبين والمستفيدين من موارد الدولة، كالموظفين العموميين والمتقاعدين والشؤون الاجتماعية والأسرى والجرحى وما شابه.
لكن ما حدث أن قاسم أعلن استقالته مطلع أغسطس 2021م، من منصبه بعد مرور نحو عام على وجوده، وسط تضارب وراء أسباب الاستقالة، فمصادر حكومية ذكرت أن الاستقالة جاءت على خلفية اختلاف الرؤى ووجهات النظر تجاه آلية عمل البنك والرؤية المستقبلية له، وأن الحكومة تتجه لتحويل البنك إلى مؤسسة مصرفية والحصول على رخصة من سلطة النقد، في حين قال قاسم إن أسباب استقالته شخصية وخاصة به، وانتهاء العقد الموقع مع الحكومة. قرار استقالة قاسم توقعه مراقبون اقتصاديون مسبقاً، بل ذهبوا إلى أن حكومة رام الله ستفشل في تطبيق الهدف الأساسي من وراء إنشاء البنك، مستندين إلى حالة الغموض المكتنفة بعمل البنك وتغيير اسمه أكثر من مرة، فضلاً عن اعتراض البنوك التجارية على وجود بنك حكومي يزاحمها في السوق.









