نزار بنات.. اغتيال لإسكات الصوت الفلسطيني المعارض

26 يونيو, 2021 06:20 صباحاً

فتح ميديا-غزة

تواصل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في رام الله مسلسل استهدافها لكل من ينتقدها أو يعارض نهجها، من خلال همجيتها وأسلوبها العنصري بالاعتداء على قيادات وأبناء شعبنا من غير وجهه حق وغير مبالاة بأن شعبنا لا زال يرزح تحت الاحتلال والحصار.

فبدلاً من مشاركة هذه الأجهزة في التصدي للاجتياحات الإسرائيلية اليومية للجنود أو حتى للمستوطنين للمدن والبلدات والمحافظات، فهي تقوم بتوجيه فوهات بنادقها تجاه أبناء شعبنا.

فأخر هذه الأفعال لأجهزة أمن السلطة كان فجر الخميس الماضي عندما اغتالت الناشط السياسي الفلسطيني المعارض نزار بنات، على الرغم من انها اعتقلته وبات بين أيديها، إلا أن المخطط كان واضحاً وهو تصفيته واغتياله بدم بارد، والسبب أنه قال كلمة الحق.

وكان قد أعلن عن وفاة بنات أثناء إقدام أجهزة الأمن السلطة على اعتقاله، صباح الخميس 24/06/2021، إذ أثبتت التحقيقات الأولية، بحسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إن سبب الوفاة غير طبيعي مشيرة إلى ظهور آثار كدمات وكسور على جثة الناشط السياسي.

وانتشرت دعوات إلى التظاهر في وسط مدينة رام الله رفضا وتنديدا بما جرى مع نزار.

وكانت مواجهات قد وقعت بين عدد من المحتجين وأجهزة أمن السلطة في شوارع المدينة بعد منع المتظاهرين من الوصول إلى مقر الرئاسة السلطة الفلسطينية.

ونددت جهات دولية عدة من ضمنها، وزارة الخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي وحركات وكتل وفصائل بما جرى مع نزار بنات، فيما أعلنت عائلة الراحل أنها تحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن وفاته.

دُفن نزار بنات.. فهل ستُدفن معه القضايا التي كانت تشغله؟

منذ إعلان "وفاته" من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية صباح الخميس، انتشرت مجموعة من الوسوم (الهاشتاغات) الإلكترونية التي طرحت قضية نزار بنات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحصلت على تفاعل واسع، أبرزها #نزار_بنات #نزار_شهيد.

وتوقع فايز السويطي الناشط الفلسطيني ضد الفساد وصديق المعارض نزار بنات، أن رحيل نزار سيطيح بالسلطة الهشّة وسيؤسس لمرحلة جديدة.

ورأى السويطي، أن ما وصفه باغتيال نزار سيطيح بالسلطة الفلسطينية لأنها هشّة، وسيفجر غيابه آلاف الأصوات على شاكلته، تنادي بمحاربة الفساد وتطرح قضايا الناس المختلفة.

الناشط المعارض عيسى عمرو قال، إن نزار بنات كان ينتقد بشدة "ولدرجة التطرف" قضايا أخرى إلى جانب الفساد، مثل التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي واتفاقية أوسلو. وكان يدعم المقاومة بكل أشكالها سواء الشعبية السلمية أو المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في المظاهرات المختلفة.

ولم تكن اتهامات نزار بنات لبعض المسؤولين الفلسطينيين عشوائية، وفق عمرو، بل مبنية على حقائق ووثائق وتحقيقات وبحث، وقبل الخروج بمقاطع الفيديو الناقدة التي اشتهر بها، كان يستشير أصدقاءه وينتقي كلماته، ويدقق فيما سيطرحه، ويأخذ التحضير لحديث معين اتصالات وجمع معلومات كثيرة، "فهو باحث ومفكر وليس عشوائيا في الحديث".

صدمة وغضب

أما مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك فيقول إن الشارع الفلسطيني ما زال في حالة صدمة وغضب مما حصل مع "المرحوم بنات". وقال إن ملابسات وفاته أصبحت واضحة بعد تشريح جثمانه الخميس.

وحسب دويك، فقد تعرض بنات للاعتقال بشكل عنيف مما أدى إلى وفاته. وقال "هناك تجاوز واضح وجريمة ارتكبت ويجب تحقيق العدالة، فالناس تتوقع أن يكون هناك تغييرات فعلية بمستوى خطورة ما حدث".

وأوضح دويك أن نزار كان يتجه بشكل دائم إلى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، التي تابعت معظم ملاحقاته وعمليات اعتقاله وتوقيفه والاعتداءات الذي تعرض لها، وأولها قبل 7 سنوات عندما اعتدى عليه مرافق أحد الوزراء بالضرب بعد انتقاده الوزير في مؤتمر عقد بمدينة بيت لحم.

وقال مدير الهيئة "لم نتوقع أن تتطور الأمور في فلسطين لهذا الحد. وأقصى ما كنا نتوقع حدوثه هو الاعتقال أو التوقيف كما كان يجري معه في المرات السابقة".

واعتبر دويك أن الاعتقال الأخير الذي توفي خلاله نزار بنات تثار حوله عليها علامات استفهام من حيث الشكل والتوقيت. "فادعاء وجود مذكرة إحضار وتنفيذ من أجهزة أمنية غير الشرطة القضائية، فيه مخالفة".

ويضيف دويك أيضا أن المنطقة الجنوبية في الخليل المصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو، والتي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، يوجد فيها أصحاب سوابق ومنفذو عمليات سطو وسرقة واعتداء، ولا تتم ملاحقتهم من قبل الأمن الفلسطيني، لكنهم اعتقلوا نزار بنات لأنه معارض سياسي، و"هذا يضع علامات استفهام كبيرة حول ما حصل معه".

لكنّ عائلته، اتهمت "الأمن الفلسطيني" بتعذيبه و"اغتياله".

وقال عمار بنات، المتحدث باسم العائلة، تعرض نزار لعملية اعتقال عند الساعة الثالثة والنصف فجرا، من قبل قوة أمنية، بعد تفجير مدخله، وانهالت عليه بالضرب بواسطة هراوات حديدية وخشبية، ورشته بغاز الفلفل، واعتقلته بعد تجريده من ملابسه، وبصورة فجة، واقتيد تحت الضرب، بينما كانت تسيل الدماء منه".

نبذة

ويحظى "بنات" بشهرة واسعة في الشارع الفلسطيني، لجرأته وانتقاده الحاد لأعضاء القيادة الفلسطينية، بما فيهم الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء محمد اشتية.

وتقول عائلته، إنه اعتقل أكثر من 8 مرات من قبل الأمن الفلسطيني.

وأكد بنات في فيديوهات سابقة له، تعرضه للتعذيب من قبل أجهزة الأمن خلال اعتقاله.

وبنات، لاجئ فلسطيني، هُجّرت عائلته من بلدة عجور، عام 1948، ويسكن بلدة دورا بمحافظة الخليل، وهو متزوج وله خمسة من الأبناء.

ولا يُعرف عن بنات، أي انتماء لأي فصيل سياسي فلسطيني.

وعبّر أكثر من مرة، عن دعمه لفصائل المقاومة في غزة، ورفضه لنهج السلطة الفلسطينية، وللتنسيق الأمني مع إسرائيل.

وكان المعارض الفلسطيني يعمل في مجال "الديكور" والنجارة.

وشكّل بنات قائمة "الحرية والكرامة" لخوض انتخابات المجلس التشريعي، التي كانت مقررة يوم 22 مايو/ أيار الماضي، قبل صدور مرسوم رئاسي (في 30 إبريل/نيسان الماضي) بإلغائها.

وأثار بنات جدلا في الشارع الفلسطيني، إثر مطالبته الاتحاد الأوروبي بوقف الدعم المالي عن السلطة، عقب قرار إلغاء الانتخابات، وهو ما عرضه لهجوم حاد من قبل السلطة الفلسطينية والمؤيدين لها.

وآنذاك، قال بنات في مقطع مصور على فيسبوك، إن مسلحين "بمرافقة الأجهزة الأمنية"، أطلقوا (يوم 2 مايو/أيار الماضي) النار بكثافة على منزله "وروّعوا ساكنيه"،

وفي آخر المقاطع التي نشرها، قبل وفاته، شنّ بنات في يوم 21 يونيو/ حزيران الجاري، هجوما لاذعا على السلطة الفلسطينية، ردا على صفقة "تبادل لقاحات" أبرمتها مع إسرائيل، قبل أن تتراجع الأولى عنها.

واتهم في رسالة مصورة على صفحته على موقع فيسبوك، تحت عنوان من "يقف وراء صفقة اللقاحات" السلطة الفلسطينية بـ"المتاجرة بأرواح الشعب الفلسطيني".

والجمعة الماضي، قالت الحكومة الإسرائيلية، في بيان، إنها اتفقت مع السلطة الفلسطينية على تحويل نحو مليون جرعة من اللقاحات ستنتهي فعاليتها قريبا، على أن تحصل في المقابل على ذات الكمية من الشركة المصنعة، نهاية العام الجاري.

ولاحقا، أعلنت السلطة الفلسطينية، عن إلغاء الصفقة.

واعتبر الكاتب السياسي بسام أبو شريف أنه  لا يوجد تفسير أخر لاتخاذ قرار باغتيال نزر بنات سوى انه قرار نابع من قرار أوسع اتخذته السلطة بالانصياع لتوجيهات الإدارة الأمريكية الجديدة أي إدارة بايدن التي عملت منذ اللحظة الأولى على استبعاد مناقشة وبحث موضوع الأرض المحتلة ما يعانيه الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي باستبعادها لأبعد فترة ممكنة بحجة أن الأولويات للاتفاق النووي ولوقف الحرب في اليمن وضبط الأمور في العراق ولمعالجة الوضع في سوريا أي أن إدارة بايدن أرادت أن تؤجل بحث الموضوع الفلسطيني دولياً في اللحظات التي أصبح فيها الموضوع الفلسطيني موضوعاً ملحاً للرأي العام العالمي وأثار مجدداً من خلال الحرب التي دارت بين الكيان الصهيوني وآلاته العسكرية وبين الشعب الفلسطيني وحركة المقاومة الفلسطينية.

وقال القيادي في حركة فتح، رأفت عليان، إن جريمة اغتيال الناشط الفلسطيني نزار بنات، غريبة على حركة فتح، مستهجنا صمت الحركة في الضفة الغربية على الجريمة وعدم إدانتها، مضيفاً، "باسم كل شرفاء حركة فتح وباسم كل أحرار فلسطين نعزي أسرى وذوي الشهيد على هذه الجريمة".

ومن جهته، قال القيادي في حركة فتح نبيل عمرو إن ما قتل بسببه المعارض السياسي نزار بنات على يد قوة أمنية فلسطينية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، يعترف به علنا قادة السلطة الفلسطينية.

وقال توفيق أبو خوصة القيادي في تيار الإصلاح الديمقراطي، أنه من الذي أعطى الأوامر غير قادة الأجهزة الأمنية، بقتل نزار بنات وتنفيذ أبشع جرائم الاغتيال السياسي في فلسطين.

وتساءل أبو خوصة في تصريح له عبر حسابه "فيسبوك" اليوم الجمعة، " من الذي قام بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي لدخول قوات الأمن الفلسطينية لمنطقة ( ج ) غير المصرح بدخولها دون تنسيق أمني مسبق".

وقال ديمتري دلياني، المتحدث باسم تيار الاصلاح الديمقراطي في حركة فتح، أنه قدر البعض عدد المعتقلين لدى اجهزة عباس بعدد أكبر بكثير، حيث بلغ 170 ناشطا مرتبطا بالسيد دحلان منذ أواخر مايو، عندما زار وزير الخارجية أنطوني ج. بلينكين رام الله.

وقال د. عبد الحكيم عوض عضو المجلس الثوري لحركة فتح، إن طريقة تنفيذ جريمة اغتيال الشهيد نزار بنات، لا يضاهيها في بشاعتها سوى أساليب الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين العزل، وأنها تمثل يومًا أسود في تاريخ شعبنا.

ما حدث مع نزار بنات هو شكل من أشكال الصراع على خلافة "فتح" والسلطة، ومحاولة إثبات الأطراف "الطامحة" أنها الأقوى والأكثر نفوذاً والأكثر قدرة على منع اشتعال انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وهي رسالة تفهمها "إسرائيل" في الأساس، وستفهمها إدارة بايدن، التي ستغلب مصالح حليفتها "إسرائيل" على مبادئها الليبرالية والديمقراطية، كما تفهَّمت سابقاً قرار أبو مازن إلغاء الانتخابات، التي تقاطعت مع الرغبة الإسرائيلية، وتحديداً جهاز الشاباك، الذي قدّر أن فوز "حماس" سيؤدي إلى انتهاء مرحلة الاستقرار والتعاون الأمني الذي تمسَّكت به السلطة وحركة "فتح"/ أبو مازن في كل المحطات الصعبة (أحداث القدس، 4 حروب على قطاع غزة، استيطان وتهويد واعتداءات مستمرّة في الضفة...).

بدأت أصوات فلسطينية تشكك في أسباب وفاة معارضين معروفين للسلطة، كالدكتور عبدالستار قاسم، الذي أعلنت السلطة وفاته بفيروس كورونا قبل عدة أشهر. حادثة المرحوم نزار بنات سيكون لها انعكاسات على الحالة الفلسطينية عموماً، وعلى السلطة في الضفة الغربية خصوصاً؛ فهي ستعمّق الشرخ بينها وبين الشعب الفلسطيني، وستتراجع شعبية حركة "فتح"، وستؤدي إلى تدهور في شعبية أبو مازن، وانهيار في ثقة المواطن الفلسطيني بالأجهزة الأمنية.

السيناريو الأخطر هو انزلاق الحالة الفلسطينية إلى مربع الفوضى والاقتتال، وخصوصاً بين المتصارعين على خلافة أبو مازن، في ظلّ امتلاك كلّ فريق لمريدين ومسلَّحين.

السيناريو المأمول هو أن تتغلَّب القيادات والكوادر الوطنيّة داخل حركة "فتح" على حالة التّيه التي أوصلتها إليها سياسات التفرّد والإقصاء والاستبداد والاستهتار بتوجّهات الشعب الفلسطيني وطموحاته. الأيام والأشهر المقبلة ستكشف عن طبيعة وشكل التداعيات على السلطة وحركة "فتح"، لكن ما هو مؤكّد أنَّ ما قبل مقتل بنات ليس كما بعده.

اقرأ المزيد