أثار هجوم الطائرات المسيرة على الكرملين موجة من الاتهامات تمتد من واشنطن إلى موسكو، وعزز نظريات المؤامرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحيّر خبراء حول العالم.
اتهمت روسيا أوكرانيا بتنفيذ محاولة لاغتيال الرئيس فلاديمير بوتين، ونفت كييف أي علاقة لها بالحادث على لسان رئيسها فولوديمير زيلينسكي، الذي قال: "لم نهاجم بوتين، ولا موسكو".
وكتبت صحيفة "غارديان" في تقرير لها أن واشنطن أدلت بتصريحات غير ملزمة حتى الآن. وفي الوقت نفسه أثار العديد من الخبراء مسألة أن يكون الهجوم عملية كاذبة دبرتها موسكو.
وفي الماضي، شنت أوكرانيا ضربات بطائرات مسيرة داخل روسيا والقرم، ولم تعلن مسؤوليتها عنها. لكن الهجوم على الكرملين هو الأكثر جرأة حتى الآن.
وكتب الخبير والمحلل الأمني الروسي مارك غاليوتي على تويتر: "إذا افترضنا أنه كان هجوماً أوكرانياً، فهذا يعني أنه دليل على القدرة وإعلان للنيات مفاده: لا تعتقدوا أن موسكو آمنة".
وصرح نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق ميك مولروي بأن أوكرانيا تراقب تحركات بوتين عن كثب، ولذلك كانت تعلم أنه لم يكن في الكرملين وقت تنفيذ الهجوم.
وعلّق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن كل شيء يصدر عن الكرملين يجب التعاطي معه بحذر.
ضرب عمق الأراضي الروسية
وسبق أن أثبتت أوكرانيا قدرتها على ضرب عمق الأراضي الروسية، وفي إحدى المرات قصفت مسيراتها قاعدة جوية استراتيجية قرب ريازان، وهي مدينة تقع على مسافة 150 ميلاً عن موسكو.
ويبدو أن كييف صعّدت من هجماتها بالمسيرات في الآونة الأخيرة، مركزة على مصافي النفط. وصباح الخميس، أعلن الروس عن حوادث تضمنت قصف مسيرات لمصفاتين في جنوب روسيا.
وسبق أن أعلن الجيش الأوكراني أنه يراهن على المسيرات لقصف أهداف داخل روسيا. وقال مصدر من داخل صناعات الدفاع الأوكرانية لمجلة "إيكونوميست" البريطانية في مارس (آذار)، أن الجيش الأوكراني في طريقه "لاكتساب تقنية متطورة جداً" في برنامج المسيرات في الأسابيع والأشهر المقبلة.
أول هجوم على العاصمة
وبينما شكلت ضربة الأربعاء الهجوم الأول على العاصمة الروسية منذ بدء الحرب، فإن الوثائق الاستخباراتية الأمريكية المسربة أشارت إلى أن أوكرانيا كانت تخطط لإستهداف موسكو في 24 فبراير (شباط)، في الذكرى السنوية الأولى للغزو. وتتحدث الوثائق أن كييف تخلت عن هذه الخطة تحت الضغط الأمريكي.
وعادة ترفض أوكرانيا إعلان المسؤولية عن الهجمات على روسيا أو على شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، على رغم أن المسؤولين في كييف، احتفلوا مراراً بهذه الهجمات، من طريق تعليقات غامضة أو ساخرة.
وعلى سبيل المثال، نفت كييف بشدة أن تكون ضالعة في عملية اغتيال داريا دوغينا إبنة الفيلسوف السياسي ألكسندر دوغين العام الماضي. ومع ذلك، تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أن الحكومة الأوكرانية أجازت تفجير السيارة المفخخة قرب موسكو، والتي أسفرت عن مقتل دوغينا.
وحمّل بعض المسؤولين الأوكرانيين مسؤولية الهجوم لجماعات من المعارضة الروسية العاملة داخل البلاد. وقال ميخائيلو بودولياك مستشار زيلينسكي إن "ظهور مسيرات مجهولة فوق مصافي النفط أو فوق الكرملين، يشير فقط إلى نشاطات المقاومة المحلية. وكما تعلمون يمكن شراء مسيرات من أي متجر عسكري".
وقال المسؤول الروسي السابق إيليا بونوماريف الذي يتخذ كييف مقراً له، لشبكة "سي أن أن" الأمريكية للتلفزيون، إن هجوم الكرملين من عمل من وصفهم بالمنشقين الروس، وليس من تدبير الجيش الأوكراني. وأضاف: "لا يمكنني أن أقول أكثر من ذلك، طالما أنهم لم يتبنوا المسؤولية علناً".
نقاط ضعف
وسواء كانت كييف أو مجموعات روسية معارضة وراء الهجوم، فإنها تثبت مجدداً وجود نقاط ضعف في قلب القوة الروسية.
وأتت الضربة عند نقطة تحول محتملة في الحرب، في الوقت الذي تستعد أوكرانيا لشن هجوم معاكس منتظر منذ وقت طويل. وعندما سئل زيلينسكي لماذا تتهم روسيا أوكرانيا بمحاولة إغتيال بوتين، أجاب إن "الأمر بسيط. روسيا لا تملك إنتصارات. وبوتين لم يعد في إمكانه تعبئة مجتمعه، ولم يعد في إمكانه إرسال جنوده إلى الموت، الآن يحتاج إلى شيء ما لتعبئة شعبه كي يمضي قدماً".
وقال مولروي إن "روسيا يمكن أن تكون قد فبركت الهجوم لاستخدامه ذريعة لاستهداف زيلينسكي، وهذا أمر حاولوا الوصول إليه في الماضي".
ويقول المحللون الغربيون إن رد موسكو عقب الضربة كان منسقاً بدرجة عالية، وتساءلوا لماذا لم يصدر أي تقرير عن التفجيرات قبيل الإعلان الرسمي الذي صدر عن الكرملين، بعد 12 ساعة من وقوع الهجوم.
ورأى معهد دراسات الحرب الأمريكي، أنه من المحتمل أن تكون روسيا شنت الهجوم، من أجل التأكيد على وجود تهديد وجودي للروس والتمهيد لتعبئة أوسع.
وتزامن الحادث مع الاستعدادات الروسية لإحياء "يوم النصر" في 9 مايو (أيار)، الذي يحتفل به عادة بعرض عسكري في الساحة الحمراء. وبحسب معهد دراسات الحرب، فإن من الممكن أن يستخدم "الكرملين الهجوم كحجة إما لالغاء الاحتفالات أو للحد منها".