هل تتراجع بريطانيا عن وعد بلفور بعد مقاضاة فلسطين لها؟
تاريخ النشر : 02 نوفمبر, 2021 09:45 صباحاً

غزة - خاص فتح ميديا

ذكرى أليمة يعيشها الفلسطينيون في كل عام تحديدا بالثاني من تشرين الثاني، والتي تصادف "إعلان بلفور" المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

وتعيش فلسطين الذكرى الـ 104 لهذا الوعد المشؤوم، الذي كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.

وجاء على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك "آرثر جيمس بلفور" في حكومة "ديفيد لويد جورج" في الثاني من تشرين الثاني عام 1917، إلى "اللورد روتشيلد"، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.

تصريح بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الاعلان المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.

أما شعبنا الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.

رجل الأعمال الفلسطيني، منيب المصري، أكد أن وعد بلفور "أصل معاناة الشعب الفلسطيني والتمهيد الفعلي لانتهاك حقوقه وسلب أرضه ومقدراته". 

وحمّل المصري "حكومة بريطانيا وكل من شارك في إعمال هذا التصريح، المجازر والمآسي التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني، وخصوصا جريمة اقتلاعه من أرضه وتشريده، هذه الجريمة التي ما زالت مستمرة".

مقاضاة بريطانيا بسبب وعد بلفور

شارك في القضية التي سترفع في المحاكم الفلسطينية أولاً، ثم البريطانية، مجموعة من أهالي ضحايا مجازر دير ياسين وقبيه والدوايمة، وغيرهم من متضررين بصورة مباشرة من آثار الجرائم التي ارتكبتها حكومة بريطانيا في أثناء حقبة الانتداب على فلسطين، من أوائل القرن العشرين إلى 15 مايو/ أيار 1948. ويمثل هذا التحرّك القانوني إضافة نوعية للنضال الفلسطيني، من الممكن أن توفر فرصة لدعم القضية الفلسطينية.

وبدوره، قال المحامي نائل الحوح إن "القضاء الفلسطيني أصبح جهة اختصاص بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة"، مضيفًا: "أن التوجه العام كان برفع دعوى قضائية ذات طابع سياسي، تُحمل بريطانيا المسؤولية التي ترتبت على ذلك".

ويتوقع المحامي أن إقرار القضاء الفلسطيني بتحميل بريطانيا المسؤولية، يعني "تثبيت حق كل إنسان فلسطيني تضرر من بريطانيا بشكل شخصي، سواء بالقتل أو التهجير، وتعويضه".
من ناحيته، أشار أستاذ القانون في جامعة النجاح الوطنية مؤيد حطّاب، إلى وجود بعدين سياسي وقانوني للقرار الصادر عن المحكمة الفلسطينية.

وأوضح حطاب، "القرار فيه دفعة قانونية وسياسية لتصحيح ما كان يجب من مدة، وهو أن تتحمل بريطانيا تبعات وعد بلفور، فهي أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق".

وقال: "على أرض الواقع لا نستطيع إرجاع عقارب الزمن للخلف 100 عام لنطالب بعودة ما كان، لكن هناك شعب تأثر، وهذا القرار على المستوى المحلي يؤكد الحقوق والمطالبة بالتعويضات والاعتذار".

ولم يستبعد حطاب إمكانية اعتذار بريطانيا للفلسطينيين، وقال: إذا أقر القضاء أن هناك مخالفة قانونية أو انتهاك لأي حق من حقوق الشعوب، وأن بريطانيا هي من تسببت به، فستصبح القيادة السياسية ملزمة بهذا القرار القضائي".

وأضاف: "القضية يمكن أن تشكل ضغطا شعبيا، فعند التوجه للقضاء البريطاني سيتساءل الشعب البريطاني حول الحدث، وتذكرهم بأنهم يتحملون المسؤولية بمعاناة الشعب الفلسطيني، وهذا يدفع لتسير القضية بشكل أفضل".

وأصدرت محكمة بداية نابلس العام الماضي قرار بطلان "وعد بلفور" وتحميل بريطانيا المسؤولية عن الجرائم التي نفذت بحق الفلسطينيين، في حين أكد القائمون على الدعوى القضائية أنهم سيتوجهون فورا للقضاء البريطاني لمقاضاة الحكومة البريطانية، في محاولة لإجبارها على الاعتذار للفلسطينيين وتعويضهم عما لحق بهم.

وأكد لقاضي الفلسطيني السابق، أحمد الأشقر، أن "الخطوة رمزية أكثر من أن يكون لها صدى واقعي وقانوني".

وقال الأشقر: "ربما تكون هناك مشكلة في اختصاص المحاكم الفلسطينية في مقاضاة الحكومة البريطانية، إضافة إلى أن الدعوى كان يجب أن يتم رفعها أمام المحاكم البريطانية ابتداءً".

وكانت "المؤسسة الدولية لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني" (جهد مشترك للتجمع الوطني للمستقلين، ووزارة العدل الفلسطينية، وجامعة القدس "أهلية")، قد قدمت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعوى قضائية ضد بريطانيا.

وجاء في مضمون الدعوى، أنها تُحمّل "المملكة المتحدة المسؤولية القانونية وتبعاتها الناشئة عن سلوكها وتصرفاتها المخالفة للقواعد والأخلاق والقانون الدولي، والجرائم التي ارتكبتها خلال احتلالها فلسطين، بما فيها وعد بلفور".

و"وعد بلفور"، هو الاسم الشائع الذي يطلق على الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، في نوفمبر/تشرين الثاني 1917، إلى اللورد (اليهودي) "ليونيل وولتر دي روتشيلد"، أشار فيها إلى أن حكومته ستبذل غاية جهدها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

واحتلت بريطانيا فلسطين عام 1917، بعد معارك دامية مع جيش الدولة العثمانية، وعملت على تسهيل هجرة اليهود إليها، وتمكينهم على الأرض، تمهيدا لإقامة دولة إسرائيل في العام 1948.